هذا المقال جزء من
الحصول على التمويل في الأردن
يمثّل العرض الذي يقدمه رائد الأعمال الخطوة الأولى والأهم للحصول على تمويل من المستثمر، إذ يشرح العرض فكرة رائد الأعمال وإمكانياتها ومواءمتها مع أولويات المستثمر المحتمل، بالإضافة إلى إيصال شغف رائد الأعمال وشخصيته وقدرته على تلبية متطلبات الشركة الناشئة. وعادةً ما يسهم العرض في صنع فرقٍ ملحوظ، فقد يشفع العرض المتميز لبعض مواطن الضعف في الشركة الناشئة، بينما يقضي العرض الضعيف على أي فرصة واعدة لها مع المستثمر.
وحالما يبدأ رواد الأعمال بعرض أفكارهم وقبل البدء بالتفكير مليَّا في الاستثمار في شركة ناشئة، يتطلع المستثمرون عادةً لاستعراض الآتي:
منتج الحد الأدنى (MVP): يتطلع المستثمرون لتقديم برهان قوي عن منتج الحد الأدنى أو نموذج العمل الأولي، ويستلزم ذلك التطوير الدقيق وإجراء اختبارات كافية لضمان تشغيل النسخة التجريبية دون أية مشاكل.
فريق العمل المناسب: يتطلع المستثمرون للتحقق من أن فريق العمل يجمع المزيج الأمثل لأشخاص بخبرات وتجارب مختلفة في شتى حقول المعرفة، مع التحلي بالنزاهة والشغف والرغبة في النجاح، بالإضافة إلى تعيين العدد المناسب لتشغيل الشركة . فقد يستشف المستثمر أن محاولة رائد الأعمال لتولي كافة الأمور بمفرده مؤشرٌ على افتقاره للقدرة على العمل مع الآخرين وإدارتهم، بينما قد ينم فريق العمل المكتظ في المراحل الأولى من التأسيس على عدم فهم الشركة الناشئة لأهمية ترشيد الموارد خلال مرحلة التشغيل التمهيدي، وبالتالي اللامبالاة في إنفاق أموال المستثمر وإجراء تعيينات غير ضرورية.
معرفة السوق والمتابعة: لا بد لك، كرائد أعمال، أن تظهر معرفةً واسعةً بالسوق ومتابعك لأدائك حتى تثبت كفاءة وإمكانيات ما تُقدّمه من منتجات أو خدمات. ولا تحتاج شركتك الناشئة في الغالب إلى قاعدة عملاء كالتي تمتلكها الشركات الكبيرة، إلا أنها بحاجة لإثبات قدرتها على الاحتفاظ بعدد كافٍ من عملائها والنجاح في إتمام عمليتي البيع الأفقي وزيادة قيمة المبيعات المتأتية من هؤلاء العملاء.
البحث والاطلاع: يتطلع المستثمر لمعرفة ما إذا كنت قد بحثت عنه مسبقًا قبل أن يهمّ بالتواصل معك. فلا بد من التعرف على الشركات المماثلة لشركتك والتي كان قد مولها المستثمر من قبل على اعتبار أنها شركات منافسة بطريقة غيرة مباشرة. كما يريد المستثمر أن يعرف لماذا اخترت التواصل معه (أسباب أخرى غير الأمور المالية) إذ يدل ذلك على أنك تعرف المستثمر جيدًّا وعلى دراية بالقيمة المتبادلة التي سيقدمها كل واحدٍ منكم للآخر.
وبعد التأكد من استيفاء كل ما سبق، يمكنك المباشرة في تقديم عروضك للمستثمرين مع أخذ الآتي في عين الاعتبار:
1. سرد القصة الشخصية
على الرغم من اهتمام المستثمرين بالفكرة التي طرحتها وإمكانياتها، إلا أنهم يسعون للتأكد من مدى شغفك وإلمامك بالمنتج أو الخدمة المقدمة. ومع أن المستثمرين قادرون على تحديد مقدار الربح الحالي والمتوقع لشركة ناشئة من خلال الجداول الخاصة بها وخطط العمل، إلا أنه يستحيل قياس تفاني رائد الأعمال وأخلاقيات العمل التي يتحلّى بها وقدراته لإنجاح المؤسسة إلا بتلمس هذه الصفات في اللقاءات المباشرة معه وجهًا لوجه. لذا يتميّز رواد الأعمال الذين يشاركون قصتهم الشخصية وقصة شركتهم ، كما يفلحون في إقناع المستثمرين المحتملين بأنهم يمتلكون متطلبات النجاح، بينما يدق ناقوس الخطر إذا لم تتمكن من إظهار هذا الشغف حيال المنتج أو الخدمة التي تقدمها، وهو الأمر الذي سيتنبه له المستثمر لا محالة.
2. خير الكلام ما قل ودل
قد تختلف مدة العرض استنادًا إلى الموقف والمرحلة التي تمر الشركة بها ومتطلبات المستثمر وتفضيلاته، إلا أنه لا ينبغي أن يتجاوز العرض الذي تقدمه حاجز الـعشر دقائق على أية حال. أما في الأيام التجريبية التي تشهد فيها الحاضنات والمسرّعات في أي مكان عروضًا لما يقارب العشرة إلى ثلاثين شركة، فيجب ألا يتجاوز العرض مدة الثلاث دقائق.
وعادةً ما يمرّ على المستثمر المتمّرس مئات الآلاف من العروض، فينبغي عليك عدم إضاعة الوقت في مناقشة الجوانب السطحية والاستطراد في شرحها على حساب الأجزاء التي تنطوي على قدر أكبر من الأهمية وذلك بالإسهاب في معلومات غير ضرورية، بل لا بد عليك من التركيز على أبرز الجوانب في شركتك الناشئة وأكثرها أهميةً بما في ذلك المشكلة التي تحاول الشركة حلها، وسجل متابعة الإنجازات، والقيمة التي يمكن لفريق العمل إضافاتها.
3. الوضوح والدقة
يقدر المستثمرون وقتهم جدًّا ويريدون من يحترم وقتهم ووقته أيضَا، إذ أن احترام الوقت دلالة مطمئنة على تقدير التمويل المُعطى أيضًا ومعرفة توظيفه في مواطن التركيز خلال رحلة العمل. لذا ينبغي عليك أن تتحلى بالوضوح والمباشرة عند شرح ماهية المنتجات والخدمات التي تقدمها والإمكانيات التي تمتلكها والطلبات التي تحتاجها، مع ضرورة تجنب الافتراض المسبق أن المستثمر سيفهم ما قد تراه مجرد مفاهيم بسيطة عن المشروع، وتجنب محاولة إبهار المستثمر بمصطلحات أو اختصارات متخصصة ومتقدمة، إذ قد يرى المستثمر ذلك على أنه محاولة منك لتغطية خلل أو نقص ما في المنتج أو الخدمة المعروضة.
4. الإبهار
للانطباع الأول أثرٌ بالغ، وعادةً ما يكون العرض فرصتك الوحيدة مع المستثمر؛ لذا لا بد من وجود عنصر الإبهار من خلال إبراز مواطن القوة التي تتمتع بها شركتك الناشئة.
ومن المهم أن يكون المنتج أو نموذج العمل الأولي في هذه المرحلة عمليًّا، لائقا للتقديم، وذا شعبية في السوق. إذ لا يقرأ المستثمرون إلا لغة الأرقام عند تقييم مشروعٍ ما لأخذ قرار بالتمويل من عدمه، وهو الأمر الذي يستدعي أهمية البدء في جمع المعلومات حالما تبدأ مرحلة اختبار المنتج أو عند طرحه في السوق. ومن المهم أن تُظهر الأرقام التي تقدمها إمكانيات شركتك وقدرتها على توليد عوائد استثمارية ضخمة، بينما تعتبر الإيرادات المتوسطة خسارةً لفرصة أفضل كان قد يختارها المستثمر. وبالإضافة إلى استعراض منتج الحد الأدنى أو نموذج العمل الأولي، لا بد لك أن تتطرق في عرضك إل تفاصيل الميزات التي تضمن التفوق على المنافسين، والاستراتيجية المتبناة لطرح المنتج في السوق، ونموذج الإيرادات، بالإضافة إلى الجدول والزمني والتوقعات واستراتيجية التخارج (أي عند الرغبة في بيع الحصة المملوكة في الشركة والتخلي عن ملكيتها). أما المستثمرون الذين ينصب تركيزهم على عوائد الأثر المالي عوضًا عن الاستراتيجي، فتجدهم لا يرغبون إلا في تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في أسرع وقت ممكن، لذا لابد أن يوضح العرض الذي تقدمه لهؤلاء المستثمرين مقدار الأرباح الناتجة والطريقة المتبعة والوقت المستغرق لتحقيق ذلك. وهذا يتطلب إجراء بحث معمق عن الجمهور المستهدف لمعرفة ما قد يثير إعجابهم والشركات التي سبق الاستثمار فيها والمبلغ الممكن طلبه وطبيعة شخصياتهم بهدف التخطيط للعرض الأنسب.
ولربما يستهدف المستثمرون دعم رواد الأعمال الذين يتحلون بالشغف والذكاء المتقد والتواضع والتفاني، إلا أنهم سيسعون للتأكد من أن الريادي الذي سيختارونه قويّ ويتمتع بإصرار كافٍ لمواجهة أي صعوبات قد تعصف بالمشروع خلال إنشائه.
وقد يطرح المستثمرون أسئلة يصعب عليك الإجابة عنها وتربك حتى أعتى الرياديين المخضرمين ذوي الخبرة الطويلة، لذا فلا بد لك من توقع الأسئلة المحتمل طرحها والإعداد لها إعدادًا جيدًا قبل العرض. كما قد يُسهم تقديم شرائح عرض محكمة التنسيق وارتدائك لملابس أنيقة في خلق فرقٍ ملحوظ يترك انطباعًا طيبًا عنك في نفس المستثمر.
5. الشفافية
تعتبر الشفافية في الصفقات المالية مسألةً جوهرية، وقد يمرّ على المستثمرين العديد من العروض التي تمنحهم الفراسة الكافية لمعرفة ما إذا كان رائد الأعمال يخفي أمرًا ما أو يتحدث بصدق. ولا داعٍ لتسليط الضوء في العرض الذي تقدّمه على تجارب الفشل السابقة ولكن دون الكذب بشأنها أيضًا. فإذا لم تشعر بأن شركتك ما زالت في مرحلة لا تؤهلها للإقناع بطلب التمويل، فينبغي غليك، عندئذٍ، الامتناع عن تقديم أي عرض والعودة لمرحلة التخطيط. إذ أن سمعتك، كرائد أعمال، تعد بمثابة الورقة الرابحة التي تمتلكها، ولكن إساءة استخدامها مع أحد المستثمرين تعني خسارتك للفرص الأخرى في أي مكان آخر. إذ يجمع بين رواد الأعمال والمستثمرين صلات وثيقة، ولكن افتقار المستثمرين للشعور بالثقة يعني بالضرورة امتناعهم عن منحك أموالهم.
6. الشرائح التقديمية للعرض
لا بد من إعداد شرائح تقديمية لكل عرض مقدم لاستعراض المنتج الذي يعمل عليه الريادي أو طبيعة النشاط التجاري أو الوعود المستقبلية. ولربما تختلف العروض التقديمية من مستثمر لغيره ومن رائد أعمال لآخر، إلا أن هناك أجزاءً مطلوبة تهم معظم المستثمرين عند تقديم عرض عن شركة ناشئة. ويتفاوت عدد الشرائح كقاعدة عامة ما بين العشرة والخمسة عشر، ولا يتجاوز العشرين.
وتذكّر...
المران يؤدي إلى الكمال: في هذا الصدد، يجدر بك التدرّب على تقديم العرض عشرات المرات، إذ أنه فرصتك الوحيدة لإبرام اتفاقية مع مستثمر ما، الأمر الذي يستدعي كثرة المران على تقديم العرض إلى أن يستحيل ارتكاب أي خطأ. ويمكنك التدرّب على ذلك مع الأصدقاء أو العائلة أو فريق العمل، أو حتى التدرب أمام المرآة مع تصوير ذلك، إذ يكشف مقطع الفيديو حقائق قد تكون مفاجئة لك خصوصًا فيما يتعلق بلغة الجسد والكلمات المستخدمة ومهارات العرض.
إعداد نبذة مختصرة: والتي تُعرف أيضًا بـ"حديث المصعد"، إذ لا ينبغي عليك الاكتفاء بانتظار لقاءٍ يجمعك مع المستثمر حتى تعرض المنتج أو الخدمة التي تنوي تقديمها، بل لا بد لك من إعداد تعريف موجز يُقدَّم في أي لحظة دون إخطار مسبق. فلا تدري أين عساك تقابل مستثمرا قد يسألك عن شركتك الناشئة ويطلب المزيد من الإيضاح، فإذا فشلت في تقديم شرح خلال ما يقارب العشرين إلى ثلاثين ثانية، فقد يعني ذلك خسارتك لفرصتك مع المستثمر في التو واللحظة، في حين قد يُثمر الإعداد المسبق لنبذة مختصرة وواضحة عن تلقيك للتمويل المطلوب.